العمراني: نطمح أن ترقى شراكتنا نحو فضاء اقتصادي مشترك مع الاتحاد الأوربي - Youssef AmraniYoussef Amrani

العمراني: نطمح أن ترقى شراكتنا نحو فضاء اقتصادي مشترك مع الاتحاد الأوربي

قال يوسف العمراني، الوزير المنتدب لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون، إن الدبلوماسية المغربية تشتغل بكل جدية وحزم من أجل تحقيق وصيانة المصالح الحيوية للمغرب، انطلاقا من المكتسبات المحققة في العقود الأخيرة، مشددا على أن الدبلوماسية المغربية تهدف إلى العمل على بناء اتحاد مغاربي قوي باعتباره خيارا إستراتيجيا ستكون له انعكاسات إيجابية بشرية.وأوضح العمراني أن المغرب نجح في أن يوطد علاقاته مع إفريقيا ودول أوربا بالإضافة إلى دول الجوار، إذ إن المغرب أول دولة جنوب المتوسط استطاعت الحصول على »الوضع المتقدم » في علاقاته مع الاتحاد الأوربي.

وبخصوص مستجدات الخلاف الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية، أشار إلى أن الملك في خطاب العرش الأخير أكد العزم على الاستمرار بحسن نية في مسلسل المفاوضات الذي ترعاه الأمم المتحدة، وبالتالي فهم مستعدون لتجاوز حالة الجمود بغية التوصل إلى الحل السياسي التوافقي المنشود وفق المحددات التي وضعها مجلس الأمن.

بعد ما يزيد عن نصف سنة عن تعيين الحكومة الحالية، ما تقييمك لأداء الدبلوماسية المغربية؟

الدبلوماسية المغربية كانت دائما معبأة للدفاع عن المصالح الوطنية العليا والمحافظة على المكتسبات التي حققتها، مع الالتزام بالركائز الواضحة والمبادئ الراسخة التي تقوم عليها السياسة الخارجية للمملكة، وهي كما حددها صاحب الجلالة في خطاب العرش: الثقة في الذات واحترام الشرعية الدولية، والالتزام بكل ما يعزز السلم والأمن الدوليين، ومناصرة القضايا العادلة وتقوية علاقات التعاون الدولي.
وبالمناسبة، فهذا الخطاب السامي يمثل خارطة طريق حقيقية خاصة، وأنه تزامن مع سياق دولي صعب، لعل أبرز سماته تدهور الوضع بسوريا وخطورة التحديات الأمنية بمنطقة الساحل واستمرار الأزمة الاقتصادية بأوربا.
ودبلوماسيتنا تشتغل اليوم بكل جدية وحزم، آخذة بعين الاعتبار الإكراهات والمتغيرات المتسارعة إقليميا ودوليا من أجل تحقيق وصيانة المصالح الحيوية للمغرب انطلاقا من المكتسبات المحققة في العقود الأخيرة، والتي هي في واقع الأمر ثمرة للتوجيهات الملكية السامية المتشبثة بقيم الانفتاح، التسامح، الحوار، الاحترام المتبادل بين الثقافات والحضارات، حسن الجوار واحترام سيادة الدول.

على ذكر حسن الجوار، كيف هي العلاقات المغربية- المغاربية اليوم، خصوصا بعد الحراك السياسي الذي عرفته كل من تونس وليبيا؟

تهدف الدبلوماسية المغربية إلى العمل على بناء اتحاد مغاربي قوي باعتباره خيارا استراتيجيا ستكون له انعكاسات إيجابية بشرية، اقتصادية وأمنية، على أساس حسن الجوار، الاحترام المتبادل واحترام الوحدة الترابية والخصوصيات الوطنية.
إن الفضاء المغاربي الذي يجتاز تحولات سياسية أفرزها حراك شعبي غير مسبوق لن يكون إلا ديمقراطيا، والديمقراطية تقتضي الاستماع إلى الشعوب، وهذه الشعوب مؤمنة ومتمسكة برمتها بفكرة الاندماج المغاربي؛ وبالتالي على دولنا الخمس أن تسعى جاهدة إلى استثمار هذه الفرصة التاريخية للتخلص من الجمود والانتقال بكل مرونة وواقعية سياسية إلى مرحلة تحقيق تطلعات الشعوب المغاربية.
ومما لا شك فيه أن قيام الاتحاد المغاربي سيساهم  بكل فعالية في التصدي للتهديدات والتحديات المحدقة بالمنطقة، كما سيعجل بناء منطقة للرفاه المشترك قوامها خلق مزيد من فرص الشغل وتحقيق النمو عبر الشبكات -النقل، المواصلات، الطاقة..- وحرية تنقل الأفراد والممتلكات، علما أن الإطار العام من اتفاقيات ومؤسسات وآليات موجود ويحتاج فقط إلى التفعيل.
ومساهمة منه في تحقيق هذه الغاية، ما فتئ المغرب يطالب بتجاوز المعيقات الظرفية وتحقيق الاندماج المغاربي. وكما تعلمون أكد جلالة الملك في خطاب العرش على أهمية بناء نظام مغاربي جديد متناسق ومتضامن وقوي ومنفتح.

وماذا عن العلاقات الثنائية؟

المغرب يعمل باستمرار على تعزيز علاقات التعاون مع الأشقاء المغاربيين، كما يسعى جادا لبناء مستقبل مشترك زاهر مع الجارة الجزائر، باعتبارها دولة فاعلة وبالنظر لما يجمع الشعبين الشقيقين من ماض وحاضر.

عربيا، هل هناك أجندة للديبلوماسية المغربية لتوطيد العلاقات مع بلدان العالم العربي ؟

لا شك أن البعد العربي يدخل بدوره ضمن دائرة جهود الدبلوماسية المغربية لتعزيز وشائج الانتماء العربي والإسلامي، وترسيخ روح التآخي والتضامن مع الشعوب العربية، على ضوء التحولات السياسية الراهنة والمرتقبة بالعالم العربي.
هنا أؤكد أن المغرب لا يكتفي بالشعارات فقط، بل يطرح مبادرات لتفعيل هذا التوجه، كما تدل على ذلك اتفاقية أكادير لإقامة منطقه التبادل التجاري الحر بين الدول العربية، التي تشكل مساهمة نوعية في تطوير العمل العربي المشترك، واستجابة لتطلعات الشعوب العربية المشروعة من أجل مستقبل عربي واعد قادر على التصدي للإكراهات الداخلية والتحديات الإقليمية.
وسنواصل العمل بنفس الروح الإيجابية مع جميع الأشقاء، وبالخصوص مع دول مجلس التعاون الخليجي، لتعزيز وتعميق الشراكة مع هذا التكتل الواعد.
اتخذت العلاقات المغربية الأوربية منحى جديدا، خاصة بعد الأزمة المالية والتغيرات على مستوى المنطقة العربية، ما الذي تلمسونه في تطور هذه العلاقات، وما الذي تطمحون إليه مع الشريك الأوربي؟
قبل تعييني عضوا في الحكومة الحالية أشرفت عن قرب على هذا الملف وتتبعت العديد من مراحله بصفتي مديرا عاما، ثم كاتبا عاما للوزارة؛ الشيء الذي جعلني ألمس ما يحظى به المغرب من تقدير كبير من قبل شركائه الأوربيين؛ نظرا للدور الإستراتيجي الذي تقوم به بلادنا والإصلاحات المهمة السياسية والاقتصادية التي يرعاها الملك.
من هذا المنطلق يأتي تفرد العلاقة بين الطرفين، حيث نجحنا كأول دولة جنوب المتوسط في الحصول على »الوضع المتقدم »، بما يرمز له من خصوصية ومتانة في الروابط الاقتصادية، والثقافية، والإنسانية. كما حرصنا على إشراك فاعلين ومتدخلين جدد، من برلمانيين وجمعويين واقتصاديين وأكاديميين وإعلاميين ليسهموا بدورهم في بناء هذه الشراكة المتميزة من خلال تعبئة كافة الطاقات.
وبالتالي فاليوم نطمح أن ترقى شراكتنا نحو فضاء اقتصادي مشترك مع الاتحاد الأوربي، انطلاقا من منطق المصلحة المشتركة والمبادرات ذات النفع المشترك، وسياسة الجوار، وهذا طموح مشروع علما أن السياق الراهن، والمتمثل في الأزمة المالية لأوربا وحراك الربيع العربي، يشجعنا أكثر على الدفع بالعلاقات المغربية مع الاتحاد الأوربي.

 حدثت تطورات في ملف الصحراء، خاصة بعد سحب المغرب الثقة من روس، هل هناك أجندة معينة ستعتمدها الخارجية المغربية لتحريك الملف لتجاوز حالة الجمود الحاصل؟

بخصوص مستجدات الخلاف الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية، أود التذكير بما قاله صاحب الجلالة في خطاب العرش الأخير، حيث أكد العزم على الاستمرار بحسن نية في مسلسل المفاوضات الذي ترعاه الأمم المتحدة.
إذن نحن مستعدون لتجاوز حالة الجمود بغية التوصل إلى الحل السياسي التوافقي المنشود وفق المحددات التي وضعها مجلس الأمن، علما أن المغرب لم يتوقف عن بذل الجهود الجدية وذات مصداقية، وتقدم بمبادرة مقدامة كحل لتسوية هذا النزاع، من خلال مقترح الحكم الذاتي في إطار سيادة المغرب ووحدته الترابية، وهي الخطوة التي تحظى بتقدير وتشجيع المجتمع الدولي، نظرا لواقعيتها وجديتها، بل هي المبادرة التي كانت وراء انطلاق المسلسل التفاوضي برمته.
يتعلق الأمر اليوم العمل بصيانة المسلسل التفاوضي وإعطائه نفسا جديدا ودينامية أقوى من خلال التطرق إلى القضايا الجوهرية، خاصة وأن حالة الجمود أصبحت لا تطاق مع تنامي التهديدات والتحديات الأمنية بالمنطقة.

ما هي أوجه التداخل والتقاطع بين وزير الخارجية والوزير المنتدب لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون؟

تجمعني بالدكتور سعد الدين العثماني علاقة مهنية يسودها الاحترام المتبادل، فنحن مدعوان للاشتغال على الملفات المطروحة بكل وطنية واحترافية لتحقيق أهداف السياسة الخارجية للمملكة.

ما هو دور الدبلوماسية المغربية في الأزمات العربية، خاصة في الأزمة السورية والقضية الفلسطينة؟

الأزمة السورية قضية أصبحت اليوم تسائل الضمير العالمي وتحرج دعاة السلام ومنظمات حقوق الإنسان؛ هي قضية جد شائكة ومعقدة للغاية.. سوريا اليوم تغرق في عنف مدمر؛ بسبب تصاعد العنف والاقتتال واستمرار انتهاكات حقوق الإنسان بصورة منتظمة، لتشمل هذه الصراعات مناطق مجاورة لم تكن متورطة من قبل. الأزمة السورية دخلت منعطفا جديدا، خاصة مع موقف كوفي عنان، المبعوث المشترك، الذي أبلغ مؤخرا الأمين العام للأمم المتحدة والأمين العام لجامعة الدول العربية بأنه لا يعتزم مواصلة مهمته بسوريا عندما تنتهي ولايته في نهاية شهر غشت المقبل.
وظل المغرب متمسكا بتسوية الأزمة داخل البيت العربي، ويؤكد على الحل السياسي والسلمي. كما تقدم بأول مشروع أممي أمام مجلس الأمن باسم الجامعة العربية كمساهمة من جانبه في وضع حد لهذه القضية. كما لا يزال يحرص على خلق توافقات بين أعضاء مجلس الأمن، وربط جسور التواصل بين جهود هذه الهيأة وجهود جامعة الدول العربية.
نذكر كذلك أن الرباط احتضنت اجتماع الجامعة العربية لاعتماد البروتوكول المتعلق بإرسال مراقبين، الذي كان المغرب من أول المشاركين في طلائعه الأولى بسوريا، فضلا عن حجم مساهمته من حيث العدد.
وهنا أقول إن النظام السوري يتحمل المسؤولية الكاملة، حيث أخفق في الوفاء بتعهداته، وتنكر لها مرارا وتكرارا ولم يستطع أن يبدي مرونة سياسية لتسوية سياسية تقوم على انتقال ديمقراطي شامل يؤسسه حوار وطني تشارك فيه كل الأطياف السياسية، وفعاليات المجتمع المدني؛ وهو ما يفسر القرار السيادي للمملكة المغربية بطرد للسفير السوري المعتمد بالرباط.
واليوم على عاتق المجتمع الدولي مسؤولية عظمى تحتم عليه اتخاذ قرار عاجل وحاسم يستهدف أولا حماية المدنيين كأولوية إنسانية، خاصة وأن العنف أصبح اللغة السائدة.

هل تتوقعون أن يكون للمغرب دور طلائعي على المستوى الدولي؟

بالتأكيد، ولعل أكبر دليل على ذلك هو الدور الذي يضطلع به حاليا المغرب داخل أعلى هيأة تقريرية عالمية، بصفته العضو العربي الوحيد بمجلس الأمن، حيث نساهم في معالجة وتدبير جملة من القضايا، فضلا عن تحمل بلادنا مسؤولية دعم القضايا العربية والإفريقية المطروحة على جدول أعمال المجلس، كالقضية السورية والقضية الفلسطينية والوضع بمالي وغيرها. هذا التواجد الذي يندرج في إطار التمثيل القاري، يؤكد من جديد حضور المغرب على الواجهة الإقليمية خاصة والدولية عامة.
بالمقابل لا بد من الإشارة إلى أن طبيعة العمل الدبلوماسي تقتضي التعبئة المتواصلة والعمل الدؤوب  والمتابعة الجادة والتفاعل المستمر مع الأحداث الطارئة  والقضايا الشائكة وفق إستراتيجية تضمن للمغرب حضوره الدولي والإقليمي المتميز، وسماع كلمته كدولة فاعلة.
وأؤكد أن المغرب سيظل وفيا لتعهداته الدولية لحفظ وبناء السلام، كما سيواصل جهوده لنسج علاقات الثقة المتبادلة مع جيرانه، ويضمن لشعوب المنطقة تحقيق آمالها لأن الأمن شرط لتحقيق الرخاء والتنمية الشاملة.

« الإصلاحات الدستورية أكسبت المغرب احتراما دوليا »

ما الدور الذي سيقوم به المغرب في مجلس الأمن بخصوص الملف السوري؟ 

سنحاول من جانبنا، وبتعاون وتشاور مع شركائنا في مجلس الأمن وخارج المجلس، العمل بكل شجاعة وثقة من أجل تجنيب سوريا المزيد من الكوارث والمآسي، وذلك بمحاولة التوافق داخل مجلس الأمن حول الوضع الإنساني الكارثي.
علاقة بهذا الوضع وبتعليمات من جلالة الملك محمد السادس، تم ّإرسال مساعدات غذائية وإقامة مستشفى ميداني لخدمة اللاجئين السوريين في أحد المخيمات بالأردن، تعبيرا عن تضامن المغرب مع الشعب السوري ومع المملكة الأردنية التي تشهد سيلا كبيرا من اللاجئين السوريين الذين فروا من جراء أعمال التقتيل المتزايد.
أما في ما يخص القضية الفلسطينية، فموقف المملكة المغربية ثابت وراسخ؛ وما المبادرات السامية المتواصلة والفاعلة لصاحب الجلالة، بصفته رئيسا للجنة القدس، على المستوى الثنائي والجهوي والدولي، إلا تأكيد على التضامن غير المشروط للمغرب مع الشعب الفلسطيني من أجل إيجاد التوصل إلى حل نهائي ومنصف للنزاع في الشرق الأوسط، عبر إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
ولابد أن نذكر بالمبادرات السامية لجلالة الملك من أجل مؤازرة الشعب الفلسطيني الشقيق، والمتمثلة في إحداث لجنة وطنية تشرف على تنسيق العمل التضامني مع قطاع غزة، عقب العدوان الإسرائيلي الغاشم، تجسد على الخصوص في إقامة جسر جوي لنقل المساعدات الطبية والغذائية، وذلك بأمر سامي من جلالة الملك، فضلا عن إيفاد فريق طبي متعدد التخصصات، وفتح حساب خاص بمبادرة مولوية كريمة لجمع التبرعات التي اقترح جلالته أن ترصد بالكامل لإعادة بناء الجناح المدمر بمستشفى القدس بغزة، وكذا تشغيل جزء من موارد وكالة بيت مال القدس الشريف لإعادة إعمار غزة، بما يضمن المرافق  الضرورية للمواطن الفلسطيني الاقتصادية والاجتماعية والتربوية.
ومسعى الدبلوماسية المغربية تجاه هذه القضية، التي يحاول البعض جعلها تضيع وسط هذا الزخم من التطورات الإقليمية والدولية، هو قيام دولة فلسطينية مستقلة٬ ذات سيادة٬ عاصمتها القدس الشرقية حدودها حدود 1967.

بعيدا عن السياسة الخارجية، كيف يمكن للدبلوماسية المغربية أن تستفيد من الإصلاحات الدستورية والسياسية؟

الإصلاحات الدستورية في واقع الأمر أكسبت المغرب احتراما دوليا وإقليميا وإشعاعا متميزا، إذ ظلت محط إشادة وتقدير من قبل العديد من الدول والمنظمات النافذة. هذه الإصلاحات لم تكن وليدة اليوم، بل ظل المغرب يعمل من خلال عدة أوراش سياسية واقتصادية وحقوقية واجتماعية لتتوج بدستور متميز وانتخابات شفافة وحكومة نابعة من صناديق الاقتراع.
وأختم بالقول إن التاريخ العريق للمغرب، وتنوع روافده الثقافية وعلاقاته التاريخية الراسخة ورصيده الحضاري يؤهلنا أن نضطلع بأدوار قيادية على المستوى الإقليمي والدولي.

حاورته: دلتا العطاونة

 

média

 

attachment-1 photo-2b conference-youssef-amrani b-20 img_0051 milan-oct-2015 2016-02-12 - Youssef Amrani, Minister in Charge of Mission at the Royal Cabinet of Morocco gesticulates on the conference "The Challenges for Security Services in of Imported Terrorism in Europe" from the Middle East Peace Forum on the Munich Security Conference in Munich, Germany. Photo: MSC/dedimag/Sebastian Widmann upm 23023365664_05464c6a50_o